يا أبناء شعبنا المقاوم،
يا أحرار لبنان وفلسطين،
يا من تؤمنون أن الكرامة تُنتزع ولا تُمنح، وأن الحرية تولد من رحم الكفاح والصمود...
في مثل هذا اليوم من عام 2000، دوَّن شعبنا في لبنان، ومعه كل أحرار الأمة والعالم، صفحة مجيدة من تاريخنا المعاصر. يومٌ اندحر فيه الاحتلال الصهيوني عن أرض الجنوب تحت ضربات المقاومين دون قيد أو شرط، هاربًا تحت جنح الليل، يجر أذيال الهزيمة والعار، ويسقط عملاؤه كما تسقط أوراق الخيانة بفعل رياح التحرير.
لقد كان يوم الانتصار الشعبي بامتياز، حين رفعت الإرادة الجماهيرية راياتها فوق الدبابات المدمّرة، وأعلنت أن الاحتلال ليس قدرًا، وأن هزيمته ممكنة، وأن النصر حتمي حين تتوحّد الشعوب في النضال من أجل حريتها. فالمقاومة لم تكن قرارًا عابرًا أو ردّ فعل طارئًا، بل كانت فعلًا تراكميًا، ونضالًا طويلًا بدأ مع الاجتياح الأول عام 1978، واشتد مع اجتياح 1982، حين احتُلّت بيروت، لتتشكل من رحم الوجع والمواجهة مقاومة وطنية منظّمة، رفعت السلاح دفاعًا عن الكرامة والسيادة، حتى تحقق التحرير في الخامس والعشرين من أيار المجيد.
وفي ذكرى هذا اليوم العظيم، نؤكد على حقائق راسخة سقتها التضحيات، لا المساومات:
أن "إسرائيل" ليست قوة لا تُقهر، بل كيان استعماري وظيفي اهتز عندما وُوجه بإرادة الكفاح الشعبي وبالمقاومة المسلحة، التي استعادت القضية الفلسطينية إلى مسارها الطبيعي بعد الخسائر الكارثية التي أفضت إليها سياسات التنازل والتفريط والاستسلام.
أن وحدة القضية والميدان بين لبنان وفلسطين هي قاعدة الصمود، وسر المواجهة، ومصدر الأمل.
يا أبناء الوطن، يا شباب المقاومة، إن نصر أيار لم يكن نصرًا لبنانيًا فحسب، بل كان انتصارًا لكل الأمة. امتد تأثيره ليلهم الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، ويشعل شرارات الانتفاضات، من حجارة القدس إلى صواريخ غزة، ومن مسيرات العودة إلى اشتباكات الضفة، ومن شوارع الداخل المحتل إلى خنادق جنين ونابلس. وها نحن اليوم، نعيش فصلًا جديدًا من الصمود في ملحمة "طوفان الأقصى"، حيث يؤكد الشعب الفلسطيني أن مشروع التحرير لم ولن يُهزم، ما دامت هناك شعوب ترفض الاستسلام وتصرّ على خيار المقاومة.
ولبنان المقاومة، الذي لم يكن يومًا متفرّجًا، بقيت جبهته الجنوبية حاضرة في معادلة الصراع والمواجهة. ومع بداية "طوفان الأقصى"، اندلعت معركة "إسناد غزة – شهداء على طريق القدس" وأولي البأس من الجنوب اللبناني، التي خاضت فيها المقاومة قتالًا أسطوريًا وصمودًا ملحميًا على مدى ٦٤ يومًا في وجه آلة العدوان الصهيونية والأطلسية، تأكيدًا على وحدة الساحات وتكامل الجبهات. وقدّمت قافلة الشهداء، وفي طليعتهم الشهيد الأمين، لتأكيد المؤكد بأن فلسطين ليست وحدها.
وفي هذا السياق، لا بد من توجيه التحية إلى الشعب اليمني ومقاومته الباسلة، التي فتحت جبهة البحر دفاعًا عن فلسطين، مؤكدين أن دماء اليمنيين امتزجت بشرف القدس، وأن إرادة الشعوب لا تُحاصر.
إن القوى الوطنية والتقدمية والثورية اليوم أمام مهمة تاريخية لبناء مقاومة عربية شاملة، من لبنان إلى غزة، ومن صنعاء إلى جنين، في وحدة دم ومصير وموقف، عنوانها:
كل الجهود والعقول والبنادق في مواجهة الاحتلال والاستعمار المطبق على المنطقة وشعوبها وثرواتها الوطنية.
وفي وجه حملات التطبيع والتدجين والتصفية، نرفع صوتنا عاليًا:
لا خيار إلا المقاومة،
لا مستقبل من دون التحرير،
ولا كرامة إلا بوحدة الشعوب ورفض التبعية والخضوع.
فلنجدد العهد لكل شهيد وأسير، لكل بيت دُمّر، ولكل أمّ صمدت، وطفلٍ حلم بالعودة.
لنجعل من أيار منارة، ومن فلسطين بوصلة، ومن المقاومة نهجًا ثابتًا حتى النصر.
المجد للمقاومة...
المجد للشهداء...
المجد لكل من حمل الحلم والسلاح والكلمة في وجه الاحتلال.
التحرير قادم... والنصر حليف الشعوب المقاتلة.
بيروت: ٢٥ أيار ٢٠٢٥